فصل: تفسير الآية رقم (8):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآية رقم (67):

{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (67)}
{ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً} أراد الجنس ولذلك أفرد لفظه مع أن الخطاب لجماعة {ثُمَّ لتبلغوا أَشُدَّكُمْ} ذكر الأشد في سورة يوسف عليه السلام: [يوسف: 22] واللام تتعلق بفعل محذوف تقديره: ثم يبقيكم لتبلغوا وكذلك ليكونوا أو أما لتبلغوا أجلاً مسمى فمتعلق بمحذوف آخر تقديره: فعل ذلك بكم لتبلغوا أجلاً مسمى هو الموت أو يوم القيامة.

.تفسير الآيات (69- 72):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72)}
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين يُجَادِلُونَ} يعني كفار قريش، وقيل: هم أهل الأهواء كالقدرية وغيرهم، وهذا مردود بقوله: {الذين كَذَّبُواْ بالكتاب} إلا إن جعلته منقطعاً مما قبله وذلك بعيد {إِذِ الأغلال في أَعْنَاقِهِمْ} العامل في إذ يعملون وجعل الظرف الماضي من الموضع المستقبل لتحقيق الأمر به {إِذِ الأغلال} أي يجرون والحميم الماء الشديد الحرارة {يُسْحَبُونَ * فِي الحميم} أي يجرون في الحميم والماء الشديد الحرارة {ثُمَّ فِي النار يُسْجَرُونَ} هذا من قولك: سجرت التنور إذا ملأته بالنار، فالمعنى أنهم يدخلون فيها كما يدخل الحطب في التنور، ولذلك قال مجاهد في تفسيره: توقد بهم النار {تمرحون} من المرح وهو الأشر والبطر. وقيل: الفخر والخيلاء.

.تفسير الآيات (76- 77):

{ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (76) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (77)}
{فَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين} إن قيل: قياس النظم أن يقول بئس مدخل الكافرين لأنه تقدم قبله ادخلوا. فالجواب أن الدخول المؤقت بالخلود في معنى الثوى {فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ} أصل إما إن نريك ودخلت ما الزائدة بعد إن الشرطية، وجواب الشرط محذوف تقديره: إن أريناك بعض الذي نعدهم من العذاب قرّت عينك بذلك، وإن توفيناك قبل ذلك فإلينا يرجعون، فننتقم منهم أشد الانتقام.

.تفسير الآيات (78- 82):

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78) اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (79) وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (80) وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ (81) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)}
{مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ} روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى بعث ثمانية آلاف رسول وفي حديث آخر أربعة آلاف، وفي حديث أبي ذر أن الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً منهم الرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر؛ فذكر الله بعضهم في القرآن، فهم الذي قص عليه ولم يذكر سائرهم فهم الذين لم يقصص عليه {فَإِذَا جَآءَ أَمْرُ الله قُضِيَ بالحق} قال الزمخشري: أمر الله: القيامة، وقال ابن عطية: المعنى إذا أراد الله إرسال رسول قضي ذلك، ويحتمل أن يريد بأمر الله إهلاك المكذبين للرسل لقوله: {وَخَسِرَ هُنَالِكَ المبطلون} هنالك في الموضعين يراد به الوقت والزمان، وأصله ظرف كان ثم وضع موضع ظرف الزمان {الأنعام} هي الإبل والبقر والضأن والمعز، فقوله: {لِتَرْكَبُواْ مِنْهَا} يعني الإبل، و{وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} يعني اللحوم والمنافع منها اللبن والصوف وغير ذلك {وَلِتَبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً} يعني قطع المسافة البعيدة، وحمل الأثقال على الإبل، {تُحْمَلُونَ} يريد الركوب عليها وإنما كرره بعد قوله: {لِتَرْكَبُواْ مِنْهَا} لأنه أراد الركوب الأول المتعارف في القرى والبلدان وبالحمل عليها، الأسفار البعيدة، قاله ابن عطية {وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ} هذا عموم بعد ما قدم من الآيات المخصوصة ولذلك وبخهم بقوله: {فَأَيَّ آيَاتِ الله تُنكِرُونَ}.

.تفسير الآية رقم (83):

{فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (83)}
{فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ العلم} الضمير يعود على الأمم المكذبين وفي تفسير علمهم وجوه: أحدها أنه ما كانوا يعتقدون من أنهم لا يبعثون ولا يحاسبون، والثاني أنه علمهم بمنافع الدنيا ووجوه كسبها، والثالث أنه علم الفلاسفة الذين يحتقرون علوم الشرائع وقيل: الضمير يعود على الرسل، أي فرحوا بما أعطاهم الله من العلم وشرائعه أو بما عندهم من العلم بأن الله ينصرهم على من يكذبهم، وأما الضمير في {وَحَاقَ بِهِم} فيعود على الكفار باتفاق، ولذلك ترجع أن يكون الضمير في {فَرِحُواْ} يعود عليهم ليتسق الكلام {سنة الله} انتصب على المصدرية والله سبحانه أعلم.

.سورة فصلت:

.تفسير الآيات (3- 4):

{كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4)}
{فُصِّلَتْ} أي بينت وقيل قطعت إلى سورة وآيات {قُرْآناً عَرَبِيّاً} منصوب بفعل مضمر على التخصيص أو حال أو مصدر {لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} معناه يعلمون الأشياء ويعقلون الدلائل إذا نظروا فيها، وذلك هو العلم الذي يوجب التكليف وقيل: معناه يعلمون الحق والإيمان والأول عام وهذا خاص، والأول أولى لقوله: {فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ} لأن الإعراض ليس من صفة المؤمنين، وقيل: يعلمون لسان العرب فيفهمون القرآن إذ هو بلغتهم، وقوله: {لِّقَوْمٍ} يتعلق بتنزيل أو فصلت والأحسن أن يكون صفة لكتاب {فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} أي لا يقبلون ولا يطيعون، وعبّر عن ذلك بعدم السماع على وجه المبالغة.

.تفسير الآية رقم (5):

{وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5)}
{في أَكِنَّةٍ} جمع كنان وهو الغطاء، {وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} عبارة عن بعدهم عن الإسلام {فاعمل إِنَّنَا عَامِلُونَ} قيل: معناه اعمل على دينك، وإننا عاملون على ديننا فهي متاركة، وقيل: اعمل في إبطال أمرنا إننا عاملون في إبطال أمرك، فهو تهديد.

.تفسير الآية رقم (7):

{الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7)}
{الذين لاَ يُؤْتُونَ الزكاة وَهُمْ بالآخرة} هي زكاة المال، وإنما خصها بالذكر لصعوبتها على الناس، ولأنها من أركان الإسلام، وقيل: يعني بالزكاة التوحيد، وهذا بعيد. وإنما حمله على ذلك لأن الآيات مكية. لم تفرض الزكاة إلا بالمدينة، والجواب أن المراد النفقة في طاعة الله مطلقاً، وقد كانت مأموراً بها بمكة.

.تفسير الآية رقم (8):

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8)}
{أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} أي غير مقطوع من قولك، مننت الحبل إذا قطعته وقيل: غير منقوص وقيل: غير محصور، وقيل: لا يمن عليهم به لأن المن يكدر الإحسان.

.تفسير الآية رقم (9):

{قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9)}
{أَندَاداً} أي أمثالاً وأشباهاً من الأصنام وغيرها.

.تفسير الآية رقم (10):

{وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10)}
{رَوَاسِيَ} يعني الجبال {وَبَارَكَ فِيهَا} أكثر خيرها {وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا} أي أرزاق أهلها ومعاشهم وقيل: يعني أقوات الأرض من المعادن وغيرها من الأشياء التي بها قوام الأرض، والأول أظهر {في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} يريد أن الأربعة كملت باليومين الأولين، فخلق الأرض في يومين وجعل فيها ما ذكر في يومين، فتلك أربعة أيام وخلق السموات في يومين فتلك ستة أيام حسبما ذكر في مواضع كثيرة، ولو كانت هذه الأربعة الأيام زيادة على اليومين المذكورين قبلها لكانت الجملة ثماينة أيام، بخلاف ما ذكر في المواضع الكثيرة {سَوَآءً} بالنصب مصدر تقديره: استوت استواء قاله الزمخشري، وقال ابن عطية انتصب على الحال للسائلين قيل: معناه لمن سأل عن أمرها، وقيل: معناه للطالبين لها، ويعني بالطلب على هذا حاجة الخلق إليها، وحرف الجر يتعلق بمحذوف على القول الأول تقديره: يبين ذلك لمن سأل عنه ويتعلق بقدّر على القول الثاني.

.تفسير الآيات (11- 12):

{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12)}
{ثُمَّ استوى إِلَى السمآء} أي قصد إليها، ويقتضي هذا الترتيب: أن الأرض خلقت قبل اسماء، فإن قيل: كيف الجمع بين ذلك وبين قوله: {والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النزاعات: 30] فالجواب لأنها خلقت قبل السماء ثم دحيت بعد ذلك {وَهِيَ دُخَانٌ} روي أنه كان العرش على الماء، فأخرج إليه من الماء دخان فارتفع فوق الماء فأيبس الماء فصار أرضاً، ثم خلق السموات من الدخان المرتفع {فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائتيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً} هذه عبارة عن لزوم طاعتها، كما يقول الملك لمن تحت يده: افعل كذا شئت أو أبيت، أي: لابد لك من فعله، وقيل: تقديره ائتيا طوعاً وإلا أتيتما كرهاً، ومعنى هذا الإتيان تصويرهما على الكيفية التي أرادها الله، وقوله لهما {أَتَيْنَا} مجاز، وهو عبارة عن تكوينه لهما وكذلك قولهما: أتينا طائعين عبارة عن أنهما لم يمتنعا عليه حين أراد تكوينهما، وقيل: بل ذلك حقيقة وأنطق الله الأرض والسماء بقولهما: {أَتَيْنَا طَآئِعِينَ} وإنما جمع طائعين جمع العقلاء لوصفهما بأوصاف العقلاء {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سماوات} أي صنعهنّ والضمير للسموات السبع، وانتصابها على التمييز تفسيراً للضمير، وأعاد عليها ضمير الجماعة المؤنثة لأنها لا تعقل، فهو كقولك: الجذوع انكسرت، وجمعهما جمع المفكر العاقل في قوله: {طَآئِعِينَ}، لأنه وصفهما بالطوع، وهو فعل العقلاء فعاملهما معاملتهم فهو كقوله في [سورة يوسف: 4]: {رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} وأعاد ضمير التثنية في قوله: {قَالَتَآ أَتَيْنَا} لأنه جعل الأرض فرقة والسماء أخرى {وأوحى فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا} أي أوحى إلى سكانها من الملائكة، وإليها نفسها ما شاء من الأمور، التي بها قوامها وصلاحها، وأضاف الأمر إليها لأنه فيها {وَزَيَّنَّا السمآء الدنيا بِمَصَابِيحَ} يعني الشمس والقمر والنجوم، وهي زينة للسماء الدنيا سواء كانت فيها أو فيما فوقها من السموات {وَحِفْظاً} تقديره: وحفظناها حفظاً ويجوز أن يكون مفعولاً من أجله، على المعنى كأنه قال: وخلقنا المصابيح زينة وحفظاً.

.تفسير الآيات (13- 14):

{فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13) إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (14)}
{فَإِنْ أَعْرَضُواْ} الضمير لقريش {صَاعِقَةً} يعني واقعة واحدة شديدة، وهي مستعارة من صاعقة النار، وقرئ صعقة بإسكان العين وهي الواقعة من قولك صعق الرجل {إِذْ جَآءَتْهُمُ الرسل مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ} معنى ما بين الأيدي المتقدم، ومعنى ما خلف المتأخر، فمعنى الآية: أن الرسل جاؤوهم في الزمان المتقدم، واتصلت نذارتهم إلى زمان عاد وثمود، حتى قامت عليهم الحجة بذلك من بين أيديهم، ثم جاءتهم رسل آخرون عند اكتمال أعمارهم، فذلك من خلفهم، قال ابن عطية وقال الزمخشري: معناه أتوهم من كل جانب، فهو عبارة عن اجتهادهم في التبليغ إليهم، وقيل: أخبروهم بما أصاب مَنْ قبلهم، فذلك ما بين أيديهم، وأنذرهم ما يجري عليهم في الزمان المستقبل وفي الآخرة فذلك {إِوَمِنْ خَلْفِهِمْ} {أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ الله} أنْ حرف عبارة وتفسير أو مصدرية على تقدير بأن لا تعبدوا إلا الله {فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} ليس فيه اعتراف الكفار بالرسالة، وإنما معناه بما أرسلتم على قولكم ودعواكم، وفيه تهكم.

.تفسير الآية رقم (16):

{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16)}
{رِيحاً صَرْصَراً} قيل: إنه من الصرّ وهو شدة البرد فمعناه باردة وقيل: إنه من قولك: صرصر إذا صوت فمعناه لها صوت هائل في أيام نحسات معناه من النحس وهو ضد السعد وقيل شديدة البرد وقيل: متتابعة والأول أرجح، وروي أنها كانت آخر شوال من الأربعاء إلى الأربعاء وقرئ نحسات بإسكان الحاء وكسرها فأما الكسر فهو جمع نحس وهو صفة وأما الإسكان فتخفيف من الكسر على وزن فعل أو وصف بالمصدر.

.تفسير الآية رقم (17):

{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17)}
{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُ} أي بينا لهم فهو بمعنى البيان، لا بمعنى الإرشاد.

.تفسير الآيات (19- 25):

{وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24) وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25)}
{فَهُمْ يُوزَعُونَ} أي يدفعون بعنف {وَجُلُودُهُم} يعني الجلود المعروفة، وقيل: هو كناية عن الفروج والأول أظهر {وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ} الآيات يحتمل أن تكون من كلام الجلود، أو من كلام الله تعالى أو الملائكة، وفي معناه وجهان: أحدهما لم تقدروا أن تستتروا من سمعكم وأبصاركم وجلودكم، لأنها ملازمة لكم، فلم يمكنكم احتراس من ذلك فشهدت عليكم، والآخر لم تتحفظوا من شهادة سمعكم وأبصاركم وجلودكم، لأنكم لم تبالوا بشهادتها، ولم تظنوا أنها تشهد عليكم، وإنما استترتم لأنكم ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون، وهذا أرجح لاتّساق ما بعده معه، ولما جاء في الحديث الصحيح عن ابن مسعود: «أنه قال اجتمع ثلاثة نفر قرشيان وثقفي، قليل فقه قلوبهم كثير شحم بطونهم، فتحدثوا بحديث فقال أحدهم: أترى الله يسمع ما قلنا: قال الآخر نه يسمع إذا جهرنا ولا يسمع إذا أخفينا فقال الآخر: إن كان يسمع منا شيئاً فإنه يسمعه كله فنزلت الآية» {أَرْدَاكُمْ} أي أهلككم؛ من الردى بمعنى الهلاك {وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ المعتبين} هو من العتب بمعنى الرضا أي: إن طلبوا العتبى ليس فيهم من يعطاها {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ} أي يسرنا لهم قرناء سوء من الشياطين وغواة الإنس {فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} ما بين أيديهم ما تقدم من أعمالهم، وما خلفهم ما هم عازمون عليه، أو ما بين أيديهم من أمر الدنيا وما خلفهم من أمر الآخرة، والتكذيب بها {وَحَقَّ عَلَيْهِمُ القول} أي سبق عليهم القضاء بعذابهم {في أُمَمٍ} أي في جملة أمم، وقيل: في بمعنى مع.